Saturday, January 23, 2010

الانسان الجديد ...في مدرسة الشيخ كولن

بين ايديكم سطور افتتاحية الاستاذ الشيخ محمد فتح الله كولن
و ذلك لمجلة حراء التركية الصادرة باللغة العربية
بعنوان .... الانسان الجديد ... الذي طالما يتكلم عنه الشيخ كولن في كتاباته

نحن اليوم على مشارف عهد جديد في مسيرة تاريخ الإنسانية، متفتح على تجليات العناية الربانية. لقد كان القرن الثامن عشر، بالنسبة لعالمنا، قرن التقليد الأعمى والمبتعدين عن جوهرهم وكيانهم؛ وكان القرن التاسع عشر، قرن الذين انجرفوا خلف شتى أنواع الفانتازيات واصطدموا بماضيهم ومقوماتهم التاريخية؛ والقرن العشرون، كان قرن المغتربين عن أنفسهم كليا والمنكرين لذواتهم وهويتهم، قرن الذين ظلوا يُنقّبون عن مَن يرشدهم وينير لهم الطريق في عالمٍ غير عالمهم. ولكن جميع الأمارات والعلامات التي تلوح في الأفق تبشر بأن القرن الواحد والعشرين، سيكون قرن الإيمان والمؤمنين، وعصر انبعاثنا ونهضتنا من جديد.
أجل، من بين هؤلاء الذين هجروا العقل والتفكير مندفعين خلف "الموضات" الفكرية دون أي تمحيص أو تدقيق، ومن ضمن الجماهير الفاقدة لوَعيها، الهائمة على وجهها، سيولد إنسان جديد كل الجدة، إنسان يفكر ويحاسب، ويوازن ويدقق، ويعتمد على التجربة قدر اعتماده على العقل، ويثق ويؤمن بالإلهام والوجدان قدر اهتمامه بالعقل والتجربة؛ إنسان يحاول دوما بروحه وبدنه الوصولَ إلى الأفضل، ويرغب في الوصول إلى الكمال والتكامل في كل شيء. إنسان يسمو بالموازنة بين الدنيا والآخرة، ويوفق إلى الجمع بين عقله وقلبه فيصبح نموذجا جديدا لا مثيل له. ولا شك أن ولادة هذا الإنسان الجديد ليس بالأمر السهل، فلا بد من آلام مخاض وتوجّع وأنين. ولكن حين يئين الأوان فسوف تتحقق هذه الولادة المباركة حتما، ويظهر هذا الجيل الذهبي بيننا فجأة -كالخضر عليه السلام- بوجهه النوراني الذي يشع كالبدر. فكما تنهمر الرحمة الإلهية من خلال الغيوم المتراكم بعضها فوق بعض، وكما تتفجر المياه من ينابيع الأرض، وتتفتح زهرات الثلج وتنتشر في مواقع ذوَبان الثلج والجليد، وكما تتلألأ قطرات الندى وتتربع على الأوراق، سيسطع نور هذا الإنسان في سماء البشرية البائسة الحزينة لا محالة، ربما اليوم أو غدا أو بعد غد.
الإنسان الجديد بطل يتمتع بشخصية قوية استطاعت أن تسمو على المؤثرات الخارجية بشتى أنواعها، وعزمت على الصمود والاكتفاء الذاتي. فكما أن الشرق والغرب لن يستطيعا أسره ووضع السلاسل في قدميه، فكذلك لن تستطيع الأفكار والفلسفات التي تتناقض مع هويته المعنوية وجذوره أن تغير وجهته وتضله في ظلامها عن طريقه، بل ولن تستطيع أن تزحزحه عن مكانه قيد أنملة أو أقل من ذلك. أجل، الإنسان الجديد رجل حر في تفكيره، حر في تصوره، حر في إرادته، وحريته هذه مرتبطة بقدر عبوديته لله سبحانه وتعالى. ثم إن الإنسان الجديد لا يتشبه بالآخرين ولا يتمثل بهم، بل يحاول جاهدا أن يتزيّى بهويته الذاتية ويتزيّن بمقوماته التاريخية.
الإنسان الجديد ممتلئ بالفكر، ملتهب بعشق البحث، مفعم بالإيمان، قابل للوجدانيات، متشبع بنشوة الروحانية ومعانيها... إنسان يبدي كفاءة من نوع آخر في سبيل بناء عالمه، مستفيدا من إمكانيات عصره إلى أقصى حد، متمسكا بمبادئه وقيمه الذاتية.
الإنسان الجديد، هو إنسان يحمل في قلبه إيـمان أجداده الأجلاّء، ويفكر تفكير أعلام حضارته العظماء، ويمتلئ مثلهم رغبة في إسماع صوته وإظهار قوة رسالته للبشرية جمعاء... ومثلهم كذلك يسطع نورا في كبد الظلام فيضيء الأرجاء برمتها... يؤدي واجبه هذا بصدق ووفاء غير محدود، معتصما بالحق متمسكا بالرسالة السماوية في كل لحظة.. يتألم ويئن، يموت ويحيا من أجل إحياء الحق وإنهاضه. فهو دائما على أهبة الاستعداد للتخلي عن المال والولد والغالي والنفيس، ولن تكون سعادته الشخصية بغيته أو همه أبدا، بل همه الوحيد ألا يضيع بذرة واحدة من البذور الصالحة التي منحها له الحق تعالى، بل ينثرها كلها بدقة فائقة على سفوح العناية الربانية من أجل مستقبل الأمة القريب والبعيد... ثم يرتقب مكابدا آلام مخاض جديد، يتلوى ويتأوه ويئن ويقلق، ويبتهل إلى المولى عز وجل في أمل، يموت ويحيا في اليوم ألف مرة ومرة. فالسير في سبيل الحق والفناء فيه غايته الوحيدة في الحياة، وانفلات هذه الغاية من بين يديه -في نظره- خسارة لا تعوض أبدا.
الإنسان الجديد يستخدم جميع وسائل الاتصالات الحديثة؛ كتباً وجرائد ومجلات، وإذاعة وتلفازاً ومنشورات للولوج إلى القلوب والنفوذ إلى العقول والدخول إلى الأرواح، ويثبت جدارته من خلالها مرة أخرى، بل ويسترد مكانته المسلوبة في التوازن العالمي من جديد.
الإنسان الجديد، هو إنسان عميق من حيث جذوره الروحية، متعدد من حيث ما يملكه من كفاءات صالحة للحياة التي يعيش في أحضانها. إنه صاحب القول الفصل في كل الميادين بدءا من العلم إلى الفن ومن التكنولوجيا إلى الميتافيزيقيا، وصاحب خبرة ومراس في كل ما يخص الإنسان والحياة. أجل، إنه عاشق لا ينطفئ ظمؤه إلى العلوم مهما نهل، مولع بالمعرفة ولعاً لا يفتأ يتجدد كل حين، عميق بأبعاده اللدنية التي تعجز العقول عن تصورها.. وهو بهذه الخصال كلها يسير جنبا إلى جنب مع سعداء عصر السعادة وينافس الروحانيين في سباق معراجي جديد كل يوم.
الإنسان الجديد متشبع بحب الوجود كله، حارس للقيم الإنسانية وراصد لها. فهو من جهة يحدد موقعه وينشئ ذاته على أساس الأخلاق والفضيلة التي تجعل من الإنسان أنسانا مثاليا، ومن جهة أخرى يحتضن الوجود كله بقلبه الواسع وشفقته الشاملة، ويسعى دائما من أجل إسعاد الآخرين. وفي الوقت الذي يقوم بوضع المعايير لنفسه، يقوم أيضا بوضع مقاييس حول كيفية التعامل مع الأشياء والناس الذين كتب عليه العيش معهم؛ وإذا ما سنحت له الفرصة سعى جاهدا لتحقيق معاييره وخططه التي وضعها. فهو لا يتوانى أبدا عن متابعة كل ما هو إيجابي فيما حوله وعن الحفاظ عليه، وحث الآخرين على ذلك... وهو يشن حربا على كافة المساوئ، وهو كالقوس المشدود، مستعد دائما لإزالة هذه المساوئ واقتلاعها من تربة المجتمع الذي يعيش فيه. وهو مؤمن ذاق حلاوة الإيمان، ومن ثم يدعو الجميع إلى رحاب الإيمان. العبادة -عنده- جمال مطلق وهو لسانها... يقرأ الكتب التي ينبغي أن تُقرأ، ويوصيها للآخرين؛ ولا يبرح يشجع الصحف والمجلات التي توقر جذورنا الروحية وتبجل أصولنا المعنوية... يتنقل من شارع إلى شارع آخر حاملا كل ما يحتاج إليه أبناء وطنه وأمته، ومن ثم فهو رمز للمسؤولية السامية.
الإنسان الجديد يملك طاقة بنّاءة وروحا مؤسِّسا، يبتعد عن النمطية بشدة، يعرف كيف يجدد نفسه مع الحفاظ على جوهره، ويعرف كيف يروّض الأحداث فتأتي لأمره طائعة خاضعة. يسبق عصره فيسير أمام التاريخ قدُما على الدوام بهمّة تتجاوز حدود إرادته، وشوق عارم وحب عميق واعتماد بالله عظيم. إنه مثال للتوازن التام بين الأخذ بالأسباب والاستسلام لرب الأسباب.. مَن رآه دون معرفة به، ظنه عابدا للأسباب أو معطّلا لها؛ بينما الحقيقة ليست هذه ولا تلك.. لأن الإنسان الجديد، بطل التوازن بكل ما تعنيه كلمة التوازن؛ فهو يرى أن الأخذ بالأسباب من واجبه، والتسليم للحق تعالى من صميم إيمانه.
الإنسان الجديد فاتح ومكتشف معا، يغوص كل يوم في أعماق أعماق ذاته، ويطلق شراعه على الفضاء الشاسع دوما فينصب رايته على أبراج جديدة كل حين، ويلح على طرق الأبواب المكنونة وفتحها في الآفاق والأنفُس. وكلما بلغ بفضل إيمانه وعرفانه إلى أسرارِ ما وراء الوراء ازداد شوقا ورغبة، وظل يتنقل بخِبائه من ربع إلى ربع آخر في عوالم وراء وراء الأبعاد. وأخيرا يأتي يوم تخاطبه الأرض بما تكنزه في باطنها، وتنفلق البحار بعصاه السحرية لتنبثق اللآلئ من أعماقها، وتتفتح له أبواب السماء على مصاريعها وتستقبله بالتأهيل والترحاب.

Saturday, January 16, 2010

خواطر من حياة العمل ...2

اتهم كثيرا بتفائلي الزائد من قبل زملائي بالعمل

فكعادتي اذهب الى عملي مبكرا و الابتسامة مرسومة رسما واضحا على وجهي المشرق ... الشوارع هادئة و الجو به لمحة بروده صباحية رقيقه .... اتمايل فى خطوات اشبه برقصه ايقاعيه على موسيقى صباحيه غنائه ... انظر الى الطيور و هي تتسابق معا في سماء صافية من فوقي كاطفال صغيره تلعب بتلقائيتها البريئه في حديقة ليست بها اسوار .... ارى اشجارا تتمايل اغصانها مع نسائم صباحيه لا يشوبها بعد غبار ...


ادخل نشيطا ممسكا بشنطتي الصغيرة مستشعرا دفىء مدخل شركتنا الجديد و اثبت حضوري بتلك التكنولوجيا الممغنطة و القي تحية الصباح على من اعرف و من لا اعرف فتلك عادتي السعيدة التي استهل بها يومي الجديد و الذي دائما ما يحمل لي الكثير من المفاجأت المتتجددة الجميله ... التي انتظرها يوما بعد يوم ...

اجلس على مكتبي الحبيب و انشر التحيات الصباحية ايضا على كل من اتى من زملائي و كل من لم يات بعد فى تبادل حقيقي بيننا من ود و محبه و ابتسامات حقيقية غير مصطنعه ثم افتح جهازي الحاسوبي الذي اشتاق اليه من يوم الى اخر فتربطنا معا صداقة خاصه تمتد لساعات يوميا ... فاقرأ الايميلات الرسمية و السياسية والترفيهية و اتغاضى عن السخيفة منها ... ثم انظر الى شعاع الشمس و هو يداعب دورنا العزيز من نوافذه المطله على الشارع الخارجي ... فاقف عنده و ارتشف بعض الرشفات من كوب الشاي الخاص بي و انا استنشق هواءا عليلا فى نفس عميق و اتركه ببرودته يداعبني قليلا ثم اخرجه بهدوء مغمضا عيناي و قد خرج معه كل ما علق بذهني من الهموم ... فذاك يوم جديد ...


غالبا ما احيا فى سعادة داخلية فريده يحسدني عليها غيري ... بل و استشعر احيانا كاني اسمع عزف موسيقى فى اذني يعلو صوته من حين لاخر فيتحول معه كل ماسواها من اصوات حولي الى مجرد همهمات ... و احيانا الى لا شىء ....


تلك هي لحظات بداية يوم عملي الهندسي الذي رايته ذات مره في منام ... و كان شبشب والدتي المبجل هو الموقذ الحقيقي لي من تلك اللحظات السعيده التي عشتها في حلم احسبه لن يتكرر .... و بعد ترديد العديد من القسم لكي تصدق والدتي اكذوبه استيقاظي فترحمني بذالك من اثار ذاك التعذيب الصباحي ... فكل ذلك ليس بكافيا لتركي ... حتي تسمع شهقتي العميقة المصاحبة لنظري على ساعة الحائط معبرا بذالك عن تاخري اليومي المبالغ فيه ... و اقوم مفزوعا محددا وجهتي الى الحمام و ياكل راسي بعض التفكير في اعذار مبتكره اود ان اواجه بها غضب التيم ليدر بتاعي و ربما الـ بي ام ايضا فذاك هو الابتكار الوحيد الذي استمتع به على مدار يومي ... فادع هذه الافكار تخرج وحدها بتلقائية في بيت الراحة ... ثم اتسربع في جنون لانجاز ما يمكن انجازه حتى اوفر من وقت زحام الشوارع المعهود و احاول ايضا ان استجمع افكاري و استرجع بعض السباب الذي تعلمته منذ صغري حتى يكون درعا لي ضد غباء الاغبياء و اشباه السائقين الذي ينتشرون في شوارع المحروسه في ذلك الوقت بكثره خصوصا الميكروباصات منهم ... ثم اخيرا رحله العناء فى البحث عن ركنة ترضي غروري و التي يفارقني فيها الامل دائما و يدعني وحيدا اسير فى نفس الشوارع هائما على وجهي في قنوط لا اعلم له نهايه... يكون بذلك قد ابتدأت يومي الخانق ... و لكن هذه المره هي البداية الحقيقية التي اود ان تكون هي الاخرى كابوسا فاستيقظ منه الى غير رجعه ...